نحو تسوية نهائية في إدلب
الكاتبة: شذا الحلبي
التصعيد الأخير لقوات الأسد مدعوما من حليفه الروسي، أدى لقضم مساحات شاسعة، وتطويق نقاط مراقبة تركية عدة، كانت أنشأتها سابقاً بموجب اتفاق مع الروس أنفسهم.
غير أن مقتل عشرات الجنود الأتراك في تلك النقاط، استوجب، من تركيا خوض عملية درع الربيع بقوتها البرية والجوية، مما وضع روسيا وتركيا على حافة الحرب في إدلب، ليوقعا تاليا في الخامس من آذار لعام 2020م اتفاقا، وفر نوعا من شبه استقرار في منطقة خفض التصعيد الأخيرة شمال غرب سوريا.
لم تسلم المناطق المحررة من خروقات كثيفة، وصلت إلى ما يزيد عن 4 آلاف خرق مدفعي وجوي لنظام الأسد والروس، راح ضحيتها عشرات المدنيين بين قتيل وجريح.
تركيا على الدوام حاولت الحفاظ على الاتفاق في أكثر من مرة على لسان وزارة الدفاع التركية: أنها تواصل بذل الجهود من أجل الحفاظ على الهدنة المعلنة بإدلب في 5 من آذار الماضي، ووقف نزيف الدماء، وحماية المكاسب، التي تحققت في ضمان الاستقرار، وعودة النازحين السوريين إلى ديارهم، ومنع وقوع مأساة إنسانية جديدة.
في المقابل كانت الطائرات الروسية تقصف مواقع في عمق المناطق المحررة، لعل أخطرها قصف فصيل فيلق الشام قرب كفرتخاريم في تشرين الأول الماضي على مقربة من الحدود التركية، حيث قتل وجرح نحو مئة عنصر، هذا الخرق الخطير لم تعلق عليه روسيا حتى الآن، لكن وكالة نوفوستي الروسية ادعت أن طائرات نظام الأسد هي من نفذت الهجوم.
الخروقات المستمرة، لم توقد شرارة حرب جديدة شمال غرب سوريا، يريدها نظام الأسد وحليفه الإيراني، بل على العكس، لاحت ملامح تسوية تركية ـ روسية للوضع في المناطق المحررة، والحفاظ على خارطة السيطرة بغرض الوصول لتسوية مستدامة، يمكن من ملاحظتها من خلال عدد من المؤشرات.
المؤشر الأول ظهر منذ تموز الماضي، بعد 6 أشهر من اتفاق آذار، تمثل بسحب نقاط المراقبة التركية المحاصرة داخل مناطق، يسيطر عليها نظام الأسد، رغم إبداء تركيا معارضة ذلك، ما اعتبر نوعا من تفاهماتٍ جديدة، تقضي بانسحاب الأتراك من تلك النقاط، والبقاء في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة.
لسحب الأتراك نقاط مراقبتهم أهداف عسكرية وأمنية بالدرجة الأولى، فعلى المستوى الاستراتيجي، لا تزال إدلب تشكل نقطة دفاع متقدمة للأمن القومي التركي، بغية عدم استحواذ “الإدارة الذاتية” على كامل الحدود السورية - التركية.
أهداف انسحاب تركيا متعلقة بترتيبات أمنية “بالغة الدقة والحذر”، ستتضح ملامحها في حال تعزيز تموضعها في مناطق سيطرة المعارضة وتمكين خطوطها الأولى، لا سيما جبل الزاوية، لأن انهياره يعني انهيارًا متدحرجًا لبقية المناطق، وذلك يجعل الوصول إلى “باب الهوى” أمراَ محتملاَ.
أما المؤشر الثاني في تحويل اتفاق إدلب لتسوية مستدامة، فقد بدا من خلال العرض التركي، الذي يحاكي التفاهمات التي وصلت إليها أنقرة وموسكو حول قره باغ، حيث أعرب الرئيس التركي لنظيره الروسي عن أمله في أن تبدأ مسيرة سلام في سوريا على غرار ما حدث في إقليم قره باغ المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا.
أما المؤشر الثالث فهو ما قامت به تركيا خلال 11 شهراً من اتفاق آذار، من إنشاء عشرات النقاط العسكرية بهدف تشكيل سدٍ منيعٍ على أطراف الطريق الدولي (إم فور) لمنع تقدم أي قوات برية عسكرية قادمة. إضافة إلى إرسال آلاف الجنود، وكميات كبيرة من الأسلحة عبر أرتال عسكرية ضخمة تدخل باستمرار إلى المناطق المحررة، ما اعتبر رسائل إلى روسيا والنظام بأننا موجودون ونقف ضد أي تحرك عسكري بالمنطقة.
أمام هذه المؤشرات الثلاثة ظهرت مؤخراً بارقة أمل باستمرار سريان اتفاق إدلب حين بحث مسؤولون أتراك وروس منتصف كانون الثاني الحالي، الوضع في محافظة إدلب، وفيه أكدت وزارة الخارجية الروسية أن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، أجرى محادثات مع السفير التركي في موسكو، محمد صامصار، ركزت على الوضع في سوريا وليبيا وتم "التركيز على تطور الوضع في سوريا وليبيا، والتأكيد على ضرورة إيجاد حلول مقبولة للطرفين من أجل تسوية الوضع في المناطق المتوترة مع تركيز خاص على الوضع في إدلب".
لا يزال اتفاق إدلب سارياً يوفر الحماية لنحو 5 ملايين مدني في إدلب، قسم كبير منهم نازحون، ويقف خلفه ما بقي من ثوار الثورة السورية، التي تكالبت عليها روسيا وإيران وحصرت نطاقها الجغرافي في شمال غربي سوريا، فهل تبقى السيطرة العسكرية على حالها أم سيمهد اتفاق الخامس من آذار لتسوية نهائية على غرار إقليم كره باغ ؟